لا أستطيع أن أهرب من نظراته! فصاحب الصورة يناديني، يكلمني، يحثني على أن أبحث عن هذه المحاضرات التي كنت أحضرها في فصل إعداد الخدمة... أعود مرة أخرى إلى "دُرج الذكريات" لأبحث عن هذه الأجندة المباركة التي كنت أنقل فيها بعناية العظات والكلمات والدراسات التي كانت تُلقى علينا في تلك الحقبة... إنني لا أجدها! "اشكر ربنا!"، أقولها في خجل من ضعفي، فإذا كانت مجرد رؤية نفسي من خمسة عشر سنة مضت توخز ضميري بهذا الشكل، فكم يكون أصعب التأنيب الذي سيصيبني إذا وقعت بين يديّ كتابات وتأملات ومحاضرات ذلك الشاب الأمين؟!
الهروب يبدو مستحيلاً! فذاكرتي تقودني إلى دُرج آخر في دولابي، فتحته، فوجدت مجوعة من الكتب الدراسية والثقافية، وتحتها لمعت حافة الأجندة الذهبية، التقطتها، ونفخت ما علاها من تراب، واستسلمت لما سأجده مكنوزاً فيها من لآلئ...
أين أنا من هذا الشاب الذي يحرص على كل كلمة يسمعها، يدوِّنها بحرص ويودّ لو أنه خبّأها في قلبه؟ إنه يحيا قول المزمور: "خبأت كلامك في قلبي لكي لا أخطئ إليك" (مز11:119)، فهو يؤمن تماماً أن له في كل كلمة درساً نافعاً، إنه يثق قبل الذهاب إلى الكنيسة لحضور أي خدمة أو اجتماع أن الله الذي دعاه لن يصرفه فارغاً، لذا فقد هالني أن أجده قد سجّل في أجندته المباركة كل عظات نهضة صوم السيدة العذراء لتلك السنة! نعم، لقد حضر "كل" أيام النهضة، لم يسمح لنفسه بالاعتذار لأي سبب، ولم يقُل في نفسه: "إن هذا المتكلم مُمل، أو أن ذاك ليس قوياً أو متمكناً!"، أبداً، بل كان يواظب على الحضور حتى دون أن يعرف من المتكلم، وإذا استفسر منه أحد عن ذلك قال: "المتكلم اليوم هو الروح القدس! هذه معلومة أكيدة! أما على لسان مَن مِن الخدام، فلست أعرف!"
... واليوم أراني أترقب توزيع جدول المتكلمين في أي نهضة أو اجتماع، وأضع علامة بقلمي على بعض الأيام التي سوف أحضرها. أما باقي الأيام، فلست محتاجاً إلى عُذر قهري أو ظرف طارئ لكي لا أحضر، فأنا أحكُم مُسبقاً أن المتكلم لن يكون على المستوى المطلوب، ولذلك فالكلمة لن تفيدني (وكأنني أهتم فعلاً بأن تفيدني الكلمة!)!!... يا لشقاوتي! كيف أصبحتُ أفكر بهذه الطريقة؟ "ادرِكني أيها الشاب الواقف داخل الصورة! مُدّ يدك وانتشلني، لا بل اصفعني حتى أفيق! لن أغضب منك، فأنت أنا... مع كثير من الاختلاف والتشوّه!!"
أعود إلى الأجندة الذهبية ذات الكتابة السمائية، أرى الموضوعات المكتوبة والعناوين بألوان مختلفة، والعجيب الذي لفت انتباهي إن شاب ذلك الزمان كان يترك دائماً الصفحة التي على اليمين للتأملات الخاصة والتطبيقات العملية والتدريبات الروحية المستقاة من الموضوع المكتوب في الصفحة المقابلة. فقد كان ذلك المغبوط يأخذ كل كلمة على أنها موجّهة له شخصياً، ينتفع بها لحياته الخاصة، ويجترّها، ويحياها، ولا يبوح بها لأحد إلا عند الضرورة القصوى وتحت إلحاح. لم يدخله "فيروس" البر الذاتي، كما لم تصبه "حمى" التشبُّع بالمعلومات دون حياة حقيقية!
أما أنا، فإنني أسمع الكلمة، وأنظر للحاضرين من حولي في حسرة وأقول: "يا ليتهم يسمعون!"... أو "ها هو فلان حاضر،... إن الكلام ينطبق عليه بالحرف الواحد،... ليته ينتفع!" وأنسى نفسي البائسة وذاتي المتضخمة، ودائي المزمن الذي كوّن مناعة ضد أدوية الحياة!! وأحياناً أخرى أركز منتبهاً لكلام العظة وأدوّن بعض النقاط، ليس لنفسي، ولكن لكي استخدمها في تحضير الدرس لفصلي في إحدى المرات، فكلامي أصبح مملاً، ولابد من التنويع، وإدخال بعض الطرائف و"القفشات" لكي أجذب السامعين!
يا لي من مسكين! أية طرائف تلك التي تقود الناس إلى التوبة؟ أية "قفشات" تلك التي تشير إلى الباب الضيق؟ ثم إن كنت أُدوِّن بعض الكلمات، أفلا أنتفع بها أنا أولاً؟ هل أنقل الدواء للناس وأنا لا أبحث لنفسي عن الشفاء؟ يبدو أن مشكلتي هي أنني لا أشعر بمرضي، ولا بخطورة الآفات التي صارت تعمل في حقل قلبي بنشاط!
ليت لي قلبك ايها الساهر اليقظ، الخادم الشاب، الذي لم تكن تتوانى عن طرد مجرد فكرة، ومحاربة مجرد نظرة، والجهاد المستميت ضد شبه الشر!... تطلب المعونة بكل صدق إذ تشعر بالضعف في ذاتك، تمتص الكلمات بشغف إذ توقن أنها تعينك في غربتك، تمارس الأسرار بحُب إذ تؤمن بأن لك فيها حياة! تطلب فتجد، لأنك تصلي من كل قلبك، لا لكي ينظرك الناس ولا لكي تسدد خانة في نوتك الروحية أو لكي تسكّن ضميرك!
هل أتجاسر بأن أطلب منك أن تصلي من أجلي؟... أنا أعلم أن صلواتك قد استجيبت عندما غيّرت صورتك وكتاباتك مشاعري وضميري ومستقبلي!
انها خواطر بينى وبين ذلك الشاب الذى كنته فى أوج محبتى الأولى واتمنى ان اعود إليه
الهروب يبدو مستحيلاً! فذاكرتي تقودني إلى دُرج آخر في دولابي، فتحته، فوجدت مجوعة من الكتب الدراسية والثقافية، وتحتها لمعت حافة الأجندة الذهبية، التقطتها، ونفخت ما علاها من تراب، واستسلمت لما سأجده مكنوزاً فيها من لآلئ...
أين أنا من هذا الشاب الذي يحرص على كل كلمة يسمعها، يدوِّنها بحرص ويودّ لو أنه خبّأها في قلبه؟ إنه يحيا قول المزمور: "خبأت كلامك في قلبي لكي لا أخطئ إليك" (مز11:119)، فهو يؤمن تماماً أن له في كل كلمة درساً نافعاً، إنه يثق قبل الذهاب إلى الكنيسة لحضور أي خدمة أو اجتماع أن الله الذي دعاه لن يصرفه فارغاً، لذا فقد هالني أن أجده قد سجّل في أجندته المباركة كل عظات نهضة صوم السيدة العذراء لتلك السنة! نعم، لقد حضر "كل" أيام النهضة، لم يسمح لنفسه بالاعتذار لأي سبب، ولم يقُل في نفسه: "إن هذا المتكلم مُمل، أو أن ذاك ليس قوياً أو متمكناً!"، أبداً، بل كان يواظب على الحضور حتى دون أن يعرف من المتكلم، وإذا استفسر منه أحد عن ذلك قال: "المتكلم اليوم هو الروح القدس! هذه معلومة أكيدة! أما على لسان مَن مِن الخدام، فلست أعرف!"
... واليوم أراني أترقب توزيع جدول المتكلمين في أي نهضة أو اجتماع، وأضع علامة بقلمي على بعض الأيام التي سوف أحضرها. أما باقي الأيام، فلست محتاجاً إلى عُذر قهري أو ظرف طارئ لكي لا أحضر، فأنا أحكُم مُسبقاً أن المتكلم لن يكون على المستوى المطلوب، ولذلك فالكلمة لن تفيدني (وكأنني أهتم فعلاً بأن تفيدني الكلمة!)!!... يا لشقاوتي! كيف أصبحتُ أفكر بهذه الطريقة؟ "ادرِكني أيها الشاب الواقف داخل الصورة! مُدّ يدك وانتشلني، لا بل اصفعني حتى أفيق! لن أغضب منك، فأنت أنا... مع كثير من الاختلاف والتشوّه!!"
أعود إلى الأجندة الذهبية ذات الكتابة السمائية، أرى الموضوعات المكتوبة والعناوين بألوان مختلفة، والعجيب الذي لفت انتباهي إن شاب ذلك الزمان كان يترك دائماً الصفحة التي على اليمين للتأملات الخاصة والتطبيقات العملية والتدريبات الروحية المستقاة من الموضوع المكتوب في الصفحة المقابلة. فقد كان ذلك المغبوط يأخذ كل كلمة على أنها موجّهة له شخصياً، ينتفع بها لحياته الخاصة، ويجترّها، ويحياها، ولا يبوح بها لأحد إلا عند الضرورة القصوى وتحت إلحاح. لم يدخله "فيروس" البر الذاتي، كما لم تصبه "حمى" التشبُّع بالمعلومات دون حياة حقيقية!
أما أنا، فإنني أسمع الكلمة، وأنظر للحاضرين من حولي في حسرة وأقول: "يا ليتهم يسمعون!"... أو "ها هو فلان حاضر،... إن الكلام ينطبق عليه بالحرف الواحد،... ليته ينتفع!" وأنسى نفسي البائسة وذاتي المتضخمة، ودائي المزمن الذي كوّن مناعة ضد أدوية الحياة!! وأحياناً أخرى أركز منتبهاً لكلام العظة وأدوّن بعض النقاط، ليس لنفسي، ولكن لكي استخدمها في تحضير الدرس لفصلي في إحدى المرات، فكلامي أصبح مملاً، ولابد من التنويع، وإدخال بعض الطرائف و"القفشات" لكي أجذب السامعين!
يا لي من مسكين! أية طرائف تلك التي تقود الناس إلى التوبة؟ أية "قفشات" تلك التي تشير إلى الباب الضيق؟ ثم إن كنت أُدوِّن بعض الكلمات، أفلا أنتفع بها أنا أولاً؟ هل أنقل الدواء للناس وأنا لا أبحث لنفسي عن الشفاء؟ يبدو أن مشكلتي هي أنني لا أشعر بمرضي، ولا بخطورة الآفات التي صارت تعمل في حقل قلبي بنشاط!
ليت لي قلبك ايها الساهر اليقظ، الخادم الشاب، الذي لم تكن تتوانى عن طرد مجرد فكرة، ومحاربة مجرد نظرة، والجهاد المستميت ضد شبه الشر!... تطلب المعونة بكل صدق إذ تشعر بالضعف في ذاتك، تمتص الكلمات بشغف إذ توقن أنها تعينك في غربتك، تمارس الأسرار بحُب إذ تؤمن بأن لك فيها حياة! تطلب فتجد، لأنك تصلي من كل قلبك، لا لكي ينظرك الناس ولا لكي تسدد خانة في نوتك الروحية أو لكي تسكّن ضميرك!
هل أتجاسر بأن أطلب منك أن تصلي من أجلي؟... أنا أعلم أن صلواتك قد استجيبت عندما غيّرت صورتك وكتاباتك مشاعري وضميري ومستقبلي!
انها خواطر بينى وبين ذلك الشاب الذى كنته فى أوج محبتى الأولى واتمنى ان اعود إليه
No comments:
Post a Comment