Thursday, November 18, 2010

الإهتمام بالغير البابا شنوده الثالث

الاهتمام بالغير
بقلم: البابا شنودة الثالث
البابا شنودة الثالث

ان اهتمامنا بالغير هو مظهر عملي لمحبتنا للناس‏,‏ وفي الاهتمام بالغير‏,‏ لايعيش الإنسان لنفسه فقط‏,‏ بل يهتم بما لغيره كما يهتم بما لنفسه‏,‏ وربما أكثر‏,‏ إذ يؤثر غيره علي نفسه‏,‏ لو ينسي ذاته في محبته للآخرين‏,‏ فهو يؤمن تماما ان حياته ليست ملكا له‏.‏

انما هي ملك للمجتمع الذي يعيش فيه‏,‏ وفيما يهتم الإنسان الروحي بالكل‏,‏ نراه يتعب ليستريح غيره‏,‏ فهو يهتم بمشاعر الناس وفي محاولة إسعادهم‏,‏ ويندمج في مشاعرهم‏,‏ دموع الناس تسير من عينيه‏,‏ وتسقط من جفنيه‏,‏ وافراح الناس تنبع من قلبه قبل ان تنبع من قلوبهم‏.‏

‏..‏ أول مثل قدمته لنا الطبيعة في الاهتمام بالغير‏,‏ هو مثال الأمومة المحبة الحانية‏,‏ فالأم تفكر في طفلها أكثر مما تفكر في نفسها‏,‏ تسهر حتي تطمئن انه قد نام‏,‏ وتتعب لكي يستريح هو‏,‏ ولاتتبرم بأي طلب يطلبه‏,‏ تبتسم إذا ابتسم‏,‏ بل ان ابتسامة هذا الطفل ترتسم علي شفتي امه قبل ان ترتسم كاملة علي شفتيه‏,‏ لقد أوجد الله في قلب الأم عواطف الحب والحنان والبذل والاهتمام بطفلها أكثر من الاهتمام بنفسها‏.‏

‏..‏ إن مشاعر الاهتمام بالغير تنزع من القلب الانانية والاهتمام بالذات‏,‏ فيرفض الإنسان تماما ان يبني راحته علي تعب الآخرين‏,‏ بعكس ذلك الشخص الذي يلوث الجو بدخان سيجارته‏,.‏ ولايعبأ في ذلك ان الغير قد تؤذي صحته بتدخينه هو‏,‏ ويضطر علي الرغم منه ان يستشق الدخان الفاسد الذي ينفثه المدخنون‏,‏ ولهذا فإن شركات الطيران لاتصرح للركاب بالتدخين في كثير من الرحلات‏,‏ ومن أمثلة غير المهتمين بغيرهم‏,‏ من يرفع صوته بطريقة تعكر الهدوء‏,‏ وتعطل غيره عن التفكير أو القراءة‏,‏ أو من يركن عربته في موضع تعاكس عربات غيره دون ان يبالي‏,‏ ولكنها الانانية التي لاتهتم بغيرها‏.‏

‏..‏ أما الإنسان المهتم بغيره‏,‏ فلا مانع عنده من ان يتعب ليستريح الغير‏,‏ وهو لايطلب ما لنفسه‏,‏ واهتمامه بغيره ينبع من محبته للغير‏,‏ وأيضا من محبته للخير‏,‏ وبغيره لايزاحم الناس في طريق الحياة‏,‏ إنما يفسح لهم الطريق ليعبروه‏,‏ ولايمتنع في ان يتقدموا عليه وهو يفعل ذلك باهتمام وليس بمجرد شكلية‏,‏ انه شعور ينبع من قلبه ويدفعه لبذل الجهد الذي يناسب اهتمامه‏.‏

‏..‏ والاهتمام بالآخرين يشمل العناية بهم من كل ناحية‏,‏ سواء من الناحية المادية أو الاجتماعية أو من الناحية الروحية‏,‏ او من جهة نفيستهم ومشاعرهم وراحتهم‏,‏ وحل مشاكلهم‏,‏ واشعارهم ان هناك من يسندهم ويقف إلي جوارهم‏,‏ فإن كثيرين من الذين لايهتم بهم أحد يقول الواحد منهم‏:‏ لايوجد أحد بما يشعر بما انا فيه‏,‏ أو يحس بحالتي‏!!‏

‏..‏ والاهتمام بالغير يكون أحيانا في نطاق العمل‏.‏ فهناك فرق بين موظف وموظف‏:‏ الموظف الذي يهتم براحة الجمهور‏,‏ يظهر اهتماهه في بذل كل الجهد لراحتهم‏,‏ ودون تأخير‏,‏ اما الموظف الروتيني‏,‏ فانه يماطلهم ويطلب إليهم ان يعودوا إليه في موعد آخر‏,‏ وقد يضع العراقيل في طريق قضاء مصلحتهم‏,‏ ولذلك اتذكر انني قلت ذات مرة‏,‏ الموظف المتعاون يحاول ان يجد حلا لكل مشكلة‏,‏ اما الموظف الروتيني فقد يجد مشكلة لكل حل‏!!‏

‏..‏ المهتم بالآخرين يظهر اهتمامه بالإسهام في حل مشكلاتهم‏,‏ إذ يعتبر ان مشكلة الغير كأنها مشكلته شخصيا‏,‏ ويهتم بحلها مهما كلفه ذلك من جهد‏,‏ ويكون سعيدا ان وصل فيها إلي حل‏,‏ لأنه يشعر بفرح في اسعاد الآخرين‏,‏ وانقاذهم مما هم فيه من ضيقات‏,‏ ولاشك ان الناس يشعرون باهتمامه واخلاصه‏,‏ علي الرغم من ان الأمر لايدخل في نطاق مسئوليته ولكن اهتمامه يترك في نفوسهم اثرا عميقا هذا الإنسان الذي يفكر فيهم وفي اسعادهم‏.‏

‏..‏ والاهتمام بالغير يمكن تطبيقه علي مستوي الاسرة‏,‏ حيث يبذل الزوج كل طاقته في ان يهتم كل الاهتمام براحة زوجته واولاده‏,‏ وكذلك الزوجة تهتم كل الاهتمام براحة زوجها‏,‏ ويهتم الاثنان براحة اولادهما‏,‏ وان الاهتمام المتبادل فطبيعي ان لاتحدث اطلاقا حوادث الطلاق التي نسمع عنها‏,‏ ان مثل هذا الاهتمام في محيط الأسرة او بين كل افراد المجتمع‏,‏ هو مايسميه البعض بالعقد الاجتماعي‏,‏ حيث يكون الاهتمام علي المستوي الاجتماعي والشخصي‏,‏ فيتدرب الإنسان في بيته علي الاهتمام بأهله واخوته واقربائه بل وجيرانه أيضا‏,‏ وفي مكان عمله يتعود كيف يهتم بزملائه‏,‏ ثم يتطور حتي يهتم بجميع الناس‏,‏ ويعيش كإنسان نشيط في المجتمع يخدم الكل‏,‏ ويصير إنسانا خدوما يحب الجميع‏,‏ وباهتمامه بهم يجذبهم أيضا إلي محبته‏,‏ وهذا الاهتمام بالغير يشغل فكر الإنسان المحب ويشغل عواطفه‏,‏ فيتناوله بجدية ولايهمله مطلقا‏,‏ هناك فرق بين إنسان تطلب تدخله في مسألة معينة‏,‏ فيقول لك‏:‏ انا فاكر موضوعك‏,‏ وبين اخر يقول لك‏:‏ انا مهتم بموضوعك‏,‏ ويظهر اهتمامه هذا عمليا‏,‏ إنسان يهمك امره‏,‏ فتقابله‏,‏ وتكلمه باهتمام‏,‏ وتعامله باهتمام‏,‏ ويظهر اهتمامك به في طريقه للقائك به وفي تحيتك له‏,‏ وفي عدم احراجه حينما تساعده‏,‏ ان اهتمامك بالغير يظهر في ملامح وجهك‏,‏ وفي نبرات صوتك‏,‏ انه اهتمام يشعر به من يتعامل معك‏,‏ دون ان تعلن له انك مهتم به وبما يعرضه عليك من موضوعات‏.‏

‏..‏ يظهر اهتمامك بالغير أيضا دون ان تطلب هذا منه‏,‏ فهناك شخص قد يكون في خطر وهو لايشعر بذلك‏,‏ وقد يحتاج إلي انقاذ دون ان يعرف إلي من يلجأ‏,‏ ويصل إليك موضوعه بطريق غير مباشر‏,‏ فتهتم به وتنقذه دون ان يطلب‏,‏ ويظهر الاهتمام بالغير أيضا في الأمور الروحية‏,‏ فقد يكون شخص غارقا في عمق الخطية‏,‏ وهو لايطلب الخلاص منها‏,‏ لانه لايريد ذلك‏.‏ وتهتم انت بخلاصة دون أن يسألك معونة في ذلك‏,‏ وتعمل كل ماتستطيع لكي تقوده إلي التوبة‏,‏ بكل حب واحتمال وطول اناة‏,‏ هذا النوع هو الاهتمام الروحي‏,‏ وقد يكون من عمل الرعاة والمرشدين الروحيين كما يكون من عمل الاجتماعيين الذين يهمهم سلامة أفراد المجتمع من الضياع‏,‏ مثال ذلك المهتمون بعلاج المدمنين وانقاذهم من الإدمان‏.‏
وانت إيها القارئ العزيز لعلك تشارك في الاهتمام بالغير من أي نوع يصل إليك‏.‏


جريدة الأهرام - الأحد 5 من رمضان 1431 هــ 15 اغسطس 2010 السنة 135 العدد 45177





Share

No comments:

Post a Comment

Facebook Comments

Popular Posts

My Blog List

Twitter